تواطأت عبارات كثيرة من أهل العلم والدراية على ضرورة رعاية وحسن كفاية هبة العقل تنمية لمدارك الأفهام وتوسعة لحقول المعارف بما يحرّك الآسن ويوقد الذهن.
والمتأمل للعلاقة بين احتياجاتنا العلمية الواقعية، ومدى عنايتنا بالقراءة والمطالعة المفيدة يرى نوعاً من الفتور في تدريب النفس على الاستزادة من المعارف وتعويدها على تغذية تسد بها حاجات العقل والواقع.
والحقيقة أن مرور الكثير منا بمثل هذا الفتورٍ تجاهُ القراءة، أو بتعبير آخر “المرور بفترة فراغٍ”، أو حتى مكابدة لبدء طريق القراءة من البداية أمرُ متفهم طبيعي فالفتور يكون حتى في العبادات، وبداية الحل أو جزءٌ منه أنْ تتدرج في العودة إليها.
وهذا التدرج على نوعين بحسب من خبره، أوله تدرج زماني يختزل وقت القراءة إلى النّصف من المعتاد على سبيل التمثيل لا الحسم. وثانيه تدرج “تركيزي” يتخفف فيه من جرعة الكتب المقروءة، ويبتعد قدر الإمكان عن الكتب العقلية ككتب الفكر والفلسفة والتاريخ والفقه وحتى الروايات الكلاسيكية ويلتفت إلى ما دون ذلك من كتب القراءة الميسرة اللذيذة وإن كانتْ تخلو من كبير فائدة، فالمهم هو إستعادة ملكة المطالعة.
مع الإشارة إلى كون الغاية من القراءة لا تشترط المرور على كلمات الكتاب كافة، بل هي تحصيل أكبر فائدة منه. فقد اعتدنا منذ بداية رحلتنا مع الكتب في المدرسة على خشية أن يفوتنا شيء نسأل عنه في الامتحان ، فنسعى في الإحاطة بكل ما فيها حتى يصل الحال بنا إلى الشعور بالذنب لمرور صفحة أو فقرة لم نقرأها! ما يجعل هذه القراءة بطيئة ومملة بالنسبة لكثير من الكتب.
فالأفضل أن نقرأ من الكتاب ما نريده فقط، ونأخذ زبدته دون تفاصيله التخصصية
فنمر مرور الكرام على ما لا يستهوينا فصلا كان أم تفصيلا.
فرحلة القراءة هي جعل الكتاب بين يديك فاصلة بينك وبين جديد تضيفه إلى معارفك، وليس رقم تضيفه إلى تاريخ قراءتك.
جميل